القدس عربية . . هكذا يؤكد التاريخ

القدس عربية . . هكذا يؤكد التاريخ

د . جلال الدليمي

يقول المؤرخ والفيلسوف البريطاني أرنولد توينبي “إن قيام “اسرائيل” على أرض فلسطين المغتصبة، يشكل أزمة كالتي خلقتها الحرب الصليبية للعرب وللمسلمين، وقد نجح العرب في الحرب الصليبية الأولى في توحيد صفوفهم توحيداً وثيقاً، وعلى نطاق واسع، فأنقذوا أنفسهم من الخطر الذي تعرضوا له . وما كان ليتأتى قيام الوطن القومي اليهودي إلا باستخدام القوة الغاشمة ضد سكان فلسطين، الذين كانوا في بلادهم قبل مجيء اليهود بزمن طويل . فكان أن ضحى بشعب برئ في سبيل تحقيق أطماع طائفة تتعلق بأهداب فكرة رجعية تتنافى مع واقع التطور البشري، وتجافي المثل الأنسانية العليا” .
وما الاستشهاد بالمؤرخ توينبي، صاحب النظرية الفلسفية (التحدي والاستجابة) إلا لنؤكد حقيقة طالما تجاهلها مؤرخو الغرب السلبيين (المتحيزين) ضد العرب، ومنهم من لا يعرف تاريخهم، ولا حتى صادفهم أو زارهم . انما أعتمد على التضليل الإعلامي والدعائي المفبرك، كون الصهيونية تركز على المال والإعلام والآن على شبكات الانترنت وتتجسس حتى على أقرب المقربين اليها (أمريكا وبريطانيا وغيرهما) .

أثبت الكثير من المؤرخين أن اليهود كانوا في العصور القديمة والى الآن مجرد مجموعة طارئة على فلسطين، حالهم حال اليهود الذين كانوا موزعين في بعض بقاع العالم العربي، والدليل لم تقم لهم دولة حقيقية إلا لفترة وجيزة من الزمن لم تزد على 69 عاماً، ولم يتركوا آثارآ تذكر . فهم جماعات غازية طارئة على فلسطين (الوطن الأم) . وتقول فرانسيس نيوتن- بريطانية في ثنايا كتابها “الانتداب في فلسطين” ما يأتي: “لا يوجد في فلسطين نقش واحد يمكن أن ينسب الى المملكة العبرية . ولقد فشلت اليهودية في تقديم أي أثر لداوود وسليمان، أو أي نقش أو أثر أو حجر أو حتى نصب تذكاري (هيكل مزعوم)، ولهذا فإن قضيتهم تفتقر الى دليل مسجل على غرار الأدلة للوجود التاريخي لشعوب غرب آسيا، كما أن المؤرخين الإغريق لم يذكروا شيئآ عن اليهود في تاريخ فلسطين المبكر، ومما لا شك فيه أنه كان من شأن الإغريق الاتصال باليهود، لو كانت فلسطين حقاً وطنهم القومي” .
أما في الجانب الآخر ما فيؤكد عروبة القدس اسمها الذي عرفت به (أور سلام) و”أور” لفظة آرامية، وتعني الساحة أو الدار أو المدينة، والتي تعني مدينة السلام أو دار السلام، والتي لم تعرف السلام على مدى استحلالها من لدن الغرباء، فالمعتدون ارتكبوا من المجازر البشعة بحق العرب والمسلمين ما يندى له جبين الانسانية المعذب خجلاً: فالصليبيون قتلوا من أهل القدس لدى دخولهم اليها بحدود70 ألفاً ممن نحتسبهم شهداء عند الله تعالى . ويزيد على ذلك بكثير منذ دنس الكيان الصهيوني المسخ أرض القدس . وكانت أور سلام مدينة مقدسة لدى اليبوسيين- وهم فرع من الكنعانيين العرب- ويعدونها مدينة إلههم (ايل عليون) أي الإله العلي .
أما يهود الشتات الخزر ومن لف لفهم من الغزاة والعصابات، فقد انتحلوا الاسم الكنعاني (العربي) للقدس، وأطلقوا عليها اسم (أورشلام) أو (أور شالم) وأصبحت التسمية في ما بعد (أورشليم) لتكتمل احدى أهم حلقات الجريمة (المتعلق بالتسمية) والتي يتمسك بها الغزاة اليوم .
كما أن للقدس أسماء قديمة أخرى (يبوس) نسبة الى الشعب اليبوسي الذي سكن فلسطين قبل 2500 عام ق .م وكان أول ملوكهم (ملكي صادق) وأطلق عليه (ملك السلام) وقيل إنه استضاف النبي ابراهيم الخليل (عليه السلام)، والذي جاء ذكره في المرويات التاريخية .
أما سيطرة اليهود على القدس، فقد جاءت متأخرة نسبياً عن فترة خروجهم من مصر، وغزوهم لفلسطين بخمسين سنة على أقل تقدير، (وهم يختلفون عن الموسويين أتباع سيدنا موسى عليه السلام)، حيث احتلها داوود في أوائل الألف الأول ق .م، وبعد وفاته قام ابنه سليمان ببناء هيكل- ليس بالهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى- وجعله لعبادة (يهوه)، وبوفاة سليمان في العام 935 ق .م فقد تولى شؤونه من بعده (رحبعام سليمان) الذي جمع حاخامات اليهود وهددهم بقوله: “أبي أدبكم بالسوط . . أما أنا فسأؤدبكم بالعقارب”، إلا أن تهديده هذا لم يمنع من انقسامهم الى سبطي يهوذا وبنيامين وعليهم رحبعام، وجعل أورشليم عاصمة يهوذا، فيما يربعام وضع على الأسباط العشرة الباقية، وأتخذ من السامرة (نابلس) مكاناً له، ومنع يربعام اليهود من زيارة القدس كما تفرض عليهم شريعتهم، وبنى مذبحا في قرية بيت ايل الكنعانية العربية، التي احتلها، وتقع بالقرب من رام الله ووضع على المذبح عجلاً ذهباً، وأمر الأسباط بعبادته . وتداعت هيكليات الأسباط بسبب الخلافات الناشئة بينهما حتى تمكن (سرجون الثاني) الأكدي (ملك الكلدانيين في العراق) من القضاء عليهم عام 721 ق .م، وأزالهم من الوجود، وسبا ألوفاً من اليهود الى عاصمته (بابل العراقية) وعاد الكنعانيون الى أراضيهم ووطنهم .
وزحف (سنحاريب) ملك الآشوريين (العراقي) على يهوذا وخربها واحتل القدس في عام 701ق .م ألا أن من بقي منهم في فلسطين قد استغل الصراع على النفوذ بين الآشوريين والفراعنة وحاولوا استعادة كيان اليهود المنهار، فزحف عليهم (نبوخذ نصرالثاني) ملك الكلدانيين (العراقي) وقضى عليهم وتمكن من السيطرة على القدس بشكل نهائي . وقتل آخر ملوك يهوذا(صدقيا) وأحرق هيكلهم البدعة، وأسرهم، فضلاً عن تدمير جميع المدن التي كان اليهود يرتعون فيها في فلسطين، والتي ذاقت بهم ذرعاً مثلما هو العالم يرفضهم لمشاكساتهم وتعاملهم بالربا، وأكل المال الحرام والسحت والتدليس والكذب والخيانة والمنكرات، وممارسة الدعارة . . فانتهى وجودهم ككيان في فلسطين العربية .
لم يكن اليهود “الإسرائيليون” الوحيدين ممن دنس فلسطين والقدس، بل قام الفرس أيضاً بعد ذلك واحتلوا بلاد الشام والعراق واليمن، ومن بينها فلسطين، وتهيأوا لاحتلال مصر والسيطرة عليها، فاستغل الفرس يهود السبي في العراق (في مدينة بابل) جنوب العراق، وسعوا لدى قورش الفارسي من أجل السماح لهم بالعودة الى فلسطين واستعادة الهيكل والسور في عهد (دار الفارسي) .
جاء بعد ذلك الغزو اليوناني بقيادة الاسكندر المقدوني سنة 332ق .م ولم يغير في وضع اليهود شيئاً، وفعل خلفاؤه البطالسة من بعده، وكان موقفهم أفضل من الفرس في كل الصفحات .
احتل الرومان بلاد المشرق، ودخل القائد (بومبي) فلسطين وهدم سور أور شليم، ولجأ اليهود الى أعمال الشغب ضد الرومان، فقام الإمبراطور هدريانوس بتدمير أورشليم وحرث أرضها بالمحاريث، وهدم الهيكل للمرة الثانية (الأخيرة)، واليهود اليوم يحاولون بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى المبارك (والقصد واضح إزالة الآثار والمعالم العبادية الإسلامية) . وعلى أنقاض المدينة القديمة التي زالت عنها الصبغة اليهودية . اذ شيد الرومان مدينة (إيليا) أو(إيلياء) نسبة الى الامبراطور ايليوس هدريانوس (ايليوس هو الياس) . وعندما جاء الإمبراطور قسطنطين على عرش الإمبراطورية الرومانية، وغدا مؤسس الدولة البيزنطينية الذي اتخذ القسطنطينية (اسطنبول حالياً) عاصمة له، وأصبحت إيليا مدينة بيزنطينية، وشيدت أمه (هيلانة) كنيسة القيامة فيها . . وخلال تلك الحقب التاريخية السابقة جميعها، لم يظهر لليهود في فلسطين أي كيان سياسي، في حين استمر الشعب العربي الفلسطيني، من مختلف الأديان يدير أموره وحياته الطبيعية في وطنه العربي (فلسطين) .
جاء الفتح الأسلامي لفلسطين ممثلة بالقدس الشريف في القرن الأول الهجري/ السابع الميلادي، وتم فتح القدس لأسباب دينية واستراتيجية واقتصادية وسياسية، وبعد انتصار العرب والمسلمين في معركة اليرموك، وتولى أبوعبيدة الجراح قيادة الجيوش الإسلامية في بلاد الشام بدلاً من خالد بن الوليد، زحف أبوعبيدة على القدس، وضرب الحصار عليها، فطلب أهلها المسيحيون الصلح على غرار ما صولح عليه أهل مدن الشام من أداء الجزية والخراج وحرية الاختيار بين الدين الاسلامي ودينهم السابق . فكتب أبوعبيدة الى الخليفة الفاروق عمربن الخطاب رضي الله عنه بذلك، وعندما وصله الكتاب توجه الخليفة بنفسه الى بلاد الشام ونزل تل (الجابية) بدمشق، ثم توجه الى فلسطين (القدس) ليتسلم المفاتيح، وقام القائد العربي أبوعبيدة بإبلاغ بطريرك النصارى في المدينة بمقدم خليفة المسلمين- حسب ما طلبه البطريرك لتسلم القدس وفق أعرافهم- وخرج هذا إليه حاملاً الصليب على صدره، فما كان من الخليفة ألا أن قابله بالاحترام وبالتكريم وكتب له (وثيقة الأمان) والتي تدعى (بالعهدة العمرية) ومعلقة في كنيسة القيامة ونصها: “بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدالله أمير المؤمنين عمر أهل ايليا من الأمان . أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم، مقيمها وبريها، وسائر ملتها، انها لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حدها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود . وعلى أهل ايليا أن يعطوا الجزية، كما يعطي أهل المدائن- يقصد الفرس- وعلى أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية، ومن احب من أهل ايليا أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعتهم وصليبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعتهم وصليبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كانوا فيها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل ايليا من الجزية، ومن شاء سارع مع الروم، ومن شاء رجع الى أرضه، فإنه لا يؤخذ منه شيء حتى يحصد حصادهم . وعلى ما في هذا الكتاب، عهد الله، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين، اذا أعطوا الذي عليهم من الجزية” . وشهد بذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبدالرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان . . وطلب القس من خليفة المسلمين الصلاة في الكنيسة، فخرج في مكان آمن وأدى صلاة الشكر لله عز وجل خارج مكان الكنيسة لكيلا تكون سنة (يمارسها المسلمون)، وتعهد الخليفة بمنع اليهود من السكن في القدس بناءً على طلب من أهلها . وهذا يثبت مرة أخرى أن القدس لم تكن يهودية عندما استرجعها العرب المسلمون وأن تاريخهم- مثلما أسلفنا- في فلسطين ليس إلا تاريخ غزاة طارئين . وأن اسمها أصبح في ظل حكم العرب المسلمين (القدس أو بيت المقدس، أي البيت المطهر، الذي يتطهر فيه المسلمون من ذنوبهم . وليس أورشليم المزيف) . وحررها القائد العربي صلاح الدين الأيوبي من أيادي الصليبيين، الذين حكموها على مدى 200 عام . وخرج الصليبيون من بلاد الشام لينتهي الصراع .
الموقع
تقع القدس على سلسلة جبال ضمن هضبة تعلو عن سطح البحر نحو من ثمانمائة متر، وتحيط بالمدينة عدة جبال، أشهرها جبل سكوبس أوجبل المشارف من الشمال، وجبل المكبر من الجنوب، وجبل الطور أو جبل الزيتون من الشرق، وجبل صهيون من الغرب . وتقع القدس القديمة (التأريخية) ضمن سور يحيط بها من جميع الجهات ويبلغ طوله نحو أربعة كيلومترات، وارتفاعه نحو اثني عشر متراً، وللسور سبعة أبواب كبيرة مفتوحة، يدخل الناس منها الى المدينة من نواحيها المختلفة، ومن أشهر هذه الأبواب: العمود من الشمال، والمغاربة من الجنوب، وسان ستيفان من الشرق، والخليل من الغرب، وللسور باب ثامن هو الباب الذهبي الذي يقع في الجهة الشرقية، إلا أنه غير مستخدم منذ فترة بعيدة . ومعظم أجزاء السور الحالي للقدس، من بناء السلطان العثماني سليمان القانوني، ودامت أعمال البناء في السور مدة خمس سنوات، وقد بلغت مساحة الأرض التي تحتلها القدس حتى عام 1948 أي قبيل قيام الكيان الصهيوني، ما يزيد قليلاً على 31 ألف كيلومتر مربع، وتبلغ مساحة القدس القديمة 927 دونماً (ألف كيلومتر مربع) . ولم يمتلك اليهود في المدينة المقدسة عام 1948 بفعل السياسة البريطانية المنحازة سوى 5 آلاف دونم من أصل 30 ألف دونم، أي 17% من مساحة المدينة . بكلام آخر، أن 25 ألف دونم من أرض القدس، أي ما يوازي 83% من مساحتها كانت أملاكاً عربية، الا أن سياسة مصادرة الأراضي التي درجت عليها حكومات العدو الصهيوني المتعاقبة، قد قلصت هذه المساحة الى درجة لا يستهان بها . . وتمكن الصهاينة بمساعدة البريطانيين المنحازين لهم من الاستيلاء على حوالي 20 ألف دونم من أراضي العرب في ما يسمى بالقدس الحديثة، وما تملكوه في القدس القديمة لم يزد على أربعين دونماً،أي 4% من مساحتها وتقع ضمن ما يسمى بالحي اليهودي من الجهة الجنوبية، وبمبان صغيرة لا تتجاوز ما نسبته 15%، إذ إن 85% من ذلك الحي هي أملاك تابعة للوقف الاسلامي . وجاءت شهرة القدس العربية من أماكنها العربية المقدسة، الحرم القدسي الشريف، ويضم المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، وهو يقع في الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة العربية القديمة (أولى القبلتين وثالث الحرمين) وفي القدس مساجد اسلامية أخرى يبلغ تعدادها 35 مسجداً (من بينها مسجد عمر، أقيم في المكان الذي أدى فيه الخليفة عمر رضي الله عنه لأداء الشكر خارج كنيسة القيامة، وفيها مقابر عربية أثرية مهمة، وزوايا، وفيها ركن البراق الشريف، وغيرذلك كثير .
تهويد القدس
اعتمد الصهاينة في تهويد القدس على ماجاء بتوجيهات تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، والصهيوني البريطاني كامبل بانرمان وتشرشل وأمثالهم لبناء الكيان المغتصب في فلسطين من النيل الى الفرات (وهذه اليافطة مثبته على واجهة الكنيست الصهيوني، وكان آخر الفصول اليهودية في القدس، إقدام مناحيم بيغن على اعلان قرار بضم القدس الى الكيان، وجعلها عاصمة ابدية له، لاستفزاز مشاعر أكثر من مليار من المسلمين، ونسبة كبيرة من المسيحيين، وصادق الكنيست الصهيوني على هذا القرار يوم 30/7/1980 ويتضمن قانون القدس، حسب ادعاءاتهم ما يأتي:
ان القدس الموحدة هي عاصمة “اسرائيل” .
ان القدس هي مقر رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا .
ان الأماكن المقدسة سيجري حمايتها من التدنيس والضرر، أو أي شيء يمكن أن يؤثر في الوصول الحر لأتباع كل الديانات الى الأماكن المقدسة، أو في مشاعرهم تجاه هذه الأماكن .
وهنا يذكرنا التأريخ بتعهدات فرناندز الثالث وايزابيلا في الأندلس، عندما تسلما المفاتيح ثم قامت محاكم التفتيش المجرمة بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية ضد (الانسانية) بحق المدنيين العزل)! فهذه خدعة لن تنطلي مرة اخرى على أحد، وأوروبا اليوم ليست بالأمس رغم التطرف اليميني المرتبط بالمشروع الصهيوني العدواني .
ان هذا القرار الصهيوني يعني تهويد القدس، وجعلها عاصمة لهذا الكيان، وبن غوريون أول رئيس وزراء صهيوني يقول بوقاحة: “انه لا معنى ل”إسرائيل” من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل” فغاية الصهاينة تنصب أولاً على تهويد القدس من خلال حجة البحث عن الهيكل . . وما دام الصهاينة لم يبنوا الهيكل المزعوم، فإن عقيدتهم لا تكتمل، ودولتهم من الناحية النظرية غير قائمة، ولذلك فإن جريمة ضم القدس الشريف لن ولم تكون نهاية المطاف . بل هناك فصلان آخران هما: طرد السكان العرب الأصليين من القدس، ومصادرة اراضيهم، والضغط عليهم لأجبارهم على ترك الوطن وقدس الأقداس، وهدم الأماكن الأسلامية والمسيحية لقيام هيكل سليمان المزعوم مكان المسجد الأقصى بهذه السهولة أمام صمت الجميع، والواقع أن القدس هي القضية الحقيقية والأساسية في الصراع بين الباطل الصهيوني والحق العربي والاسلامي .
يذكر ان زمام السيطرة على الحركة الصهيونية خلال الفترة الممتدة من 1920-1939 كان محصوراً بأيدي الصهاينة الغربيين والشرقيين (الروس من يهود الخزر) وزعماء اليشوف اليهودي في فلسطين . وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية واجتياح الجيوش النازية لأوروبا في صيف ،1940 انتقل مركز الثقل الصهيوني الى الولايات المتحدة، متمثلاً بالمنظمات السرية الصهيونية وغيرها . وجاء هذا الانتقال على شيء من التطابق الزمني مع انحسار المعارضة العقائدية، وتراجعها الرسمي في أوساط المؤتمر المركزي للصهيونية منذ بازل بسويسرا الى 1941 عندما انتقل وايزمان وبن غوريون الى أمريكا للعمل على تحقيق الأهداف التي رسمتها الصهيونية لنفسها في كسب التأييد السياسي لتبني مفهوم الدولة اليهودية على كامل التراب الفلسطيني، وفق التصور الهرزلي للصهيونية، وقطع الطريق على المزايدات التصحيحية التي لجأ اليها أنصار جابوتنسكي، وحشد طاقات اليهود الصهاينة في أمريكا حول برنامج محدد الأهداف .
أما ناحوم غولدمان، عضو لجنة الوكالة اليهودية، فقال في اجتماع المجلس الإداري الصهيوني الأمريكي في 16/4/1944: “لم أكن يوماً أحد أولئك الذين يعتقدون بأن مركز الثقل للصهيونية انتقل من لندن الى واشنطن . وما زلت أعتقد بأن لندن هي مركز الثقل، بكل تأكيد طالما ونستون تشرشل هو رئيس الوزراء . ذلك لأنني أستبعد لجوء الرئيس روزفلت الى محاربتة جدياً حول أي اقتراح بالحل يقترحه تشرشل في نهاية المطاف” وبذلك ثبت أن تشرشل كان ينتمي الى المحفل الصهيوني .
وأخيراً، مثلما توجد أماكن إسلامية مقدسة، فتوجد مقدسات للمسيحيين، ففي القدس توجد كنيسة القيامة وتقع وسط المدينة على درب الآلام، وكنيسة الجسمانية، وكنائس وأديرة ومقابر أخرى عديدة تملكها الطوائف المسيحية المختلفة، والتي تحوي العهدة العمرية، المكان الذي وطئته قدم خليفة المسلمين، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لدى استلامه مفتاح القدس من القسيس، وأدى الصلاة خارج الكنيسة، وأصبح المكان مسجداً باسمه (مسجد عمر) . أما اليهود، الذين يزعمون اليوم أن القدس مدينتهم المقدسة، فإنهم لا يملكون أية آثار دينية أوغيرها في المدينة كما أثبتنا سابقاً من خلال علماء حياديين جلهم بريطانيون . . وكل ما ينسبونه الى أنفسهم فيها، هو الحائط الغربي للحرم الشريف الذي هو ملك اسلامي، ويزعمون أنه أحد جدران هيكل سليمان، وعطف المسلمون عليهم لما بكوا وندبوا طويلاً زاعمين أن الحائط لهم، فسمحوا لهم بزيارة ذلك الحائط والبكاء عند القسم الجنوبي منه . أما الحقيقة التاريخية، فهي أن الحائط الغربي للمسجد الأقصى لا يمت بأية صلة للهيكل، لأن ذلك الهيكل تعرض للهدم نهائياً- كما ثبت ذلك- وأخيراً فشل الصهاينة في جميع الحفريات تحت الحائط الغربي للمسجد الأقصى وجنبات أخرى من المسجد، في العثور على أي أثر مزعوم قبل رحيل المستعمرين البريطانيين عن فلسطين، وللأمانة كانت عبارة عن بعض كنس وبيوت دينية، وجميعها حديثة العهد وغير أثرية في منازل عربية خاصة أو أراض إسلامية مؤجرة، وهذا دليل على تسامح المسلمين مع اليهود وغيرهم في العصور الغابرة، والأندلس شاهد آخر على ذلك التسامح، بعكس الأديان والعبادات الأخرى، التي مارست الاضطهاد الديني والقتل، وأفتى رجالها بقتل وسرقة وتهجير واستباحة أعراض العرب والمسلمين، وكأنهم جميعاً قد اتفقوا وتوزعوا الأدوار قبل اغتصابهم لفلسطين والى اليوم ناكرين فضل الحضارة الإسلامية الجميلة، وما أسدته للإنسانية من الاشعاع العلمي والمعرفي والفكري والخبرات في مختلف العلوم .
وهذا دليل آخر على افتراءات الصهاينة من أن عدد سكان المدينة المقدسة، حسب احصاءات عام ،1948 قد بلغ 160 ألفاً، نصفهم من اليهود، وأزداد عدد اليهود في القدس نتيجة للهجرة اليهودية من كل حدب وصوب بصورة خاصة الى فلسطين المحتلة، وقامت ببناء المستوطنات على الأرض العربية المغتصبة، ولا أحد يمنعهم .
أما ما ذكر، وتحديداً في النصف الثاني من القرن السابع عشر، فلم يكن عدد اليهود في مدينة القدس أكثر من 150 شخصاً، وفي أوائل القرن الثاني عشر(1170م) كان يوجد يهودي واحد فقط ومن هذا الدليل الموثق الدامغ، يتضح أن الصهاينة يبذلون الجهود المضنية لاقناع الجهلة، وإيهام الآخرين بحقوق لا أساس لها لطليها على المحتجين بقصد الاقناع، التي لا يرضى بها الطفل الرضيع، وطالبو الحقيقة في العالم يزدادون عدداً، ومن بينهم يهود ومن الأديان الأخرى . . لذا لابد من تحشيد كل الطاقات والإمكانات العربية وغيرها لنصرة فلسطين والقدس، العاصمة الأبدية لفلسطين من مختلف الأديان محبي الحق والعدل والسلام، ولايجوز التهاون أو التنازل عنه . . وليس أمامنا إلا التذكير به، ولعل الذكرى تنفع المؤمنين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشورات الطليعة العربية في تونس




0 التعليقات:

إرسال تعليق